مارس 23، 2007


جريح ويقاتل شهيد ولم يمت
خليفة فهيم الجزائري


كغيره من الشرفاء الأحرار الأوفياء لوطنهم و أمتهم ودينهم الذين يرفضون الذل والمهانة وبدون أن نتطرق بإسهاب للأسباب والحجج العديدة المجتمعة في قضية واحدة تخص مآل الأمة هي أسباب حركت ضميره الحي وأحاسيسه فدفعت به إلى اعتناق القتال ودخول ساحة الوغى عن وعي وبإيمان تام بالقضية . قلت لن نستطيع أن نتطرق إلى كل ذلك إذ لابد لنا من وقت طويل ومساحة أطول لاداعي للنزول إليها فما نريده اليوم حصرا هو ذكر الحالة والضروف والأحداث التي مر بها وعاش حلوها ومرها في ساحة الوطيس التي لم تخلو من نكسات وجو عكر كغيرها من الساحات وكيف واجهها بثبات وعقل رصين وهو يواجه مخلفاتها المشينة حتى الساعة . هو شخص إن وصفناه وصفا دقيقا وأردنا تناول جميع جوانب حياته ولا نقول تاريخه قد يتطلب منا ذلك أيضا وقتا فيه يهضم القلم الكثير من الصفحات مما يجعلنا نختصر الوصف ونكتفي فقط بذكر بعض من سماته أو حركاته إن صح القول في ساحة المعركة. هو مقاتل كان يكن لرفاق دربه حبا لانظير له ممزوج بالاحترام التام والوفاء الدائم لقيادته الميدانية درجات بنفس الروح التي دعته للقتال وبها أيضا كان يقف شامخا في الميدان يحب القتال في سبيل الله والأمة والنتيجة كانت الإبداع فيه كان يرفض اختصار دوره أو تقنينه أو شل حركته يرفض التقيد والمكوث بالخنادق أو لبس القناع فالساحة واسعة والعدو ماكر وظالم و عديم الإرادة لذلك كان هذا المقاتل لا يتراجع بالاندفاع إلى الأمام وما يهمه هو المضي سريعا حيث العدو كما كان ماهرا في رصد العدو البعيد والقريب ويحب الاستطلاع والاحتكاك بقيادته وذوي الخبرات يمتاز بذكاء ودهاء يعتقد من لا يعرفه انه تباهي وتظاهر فقط. يحب الاستطلاع ولا يحب الانتظار فقد لاحظ عليه الجميع ذلك وخاصة قادته فنال رضاهم وعزز ثقتهم به . كم كان سريع في حركته وتنقلاته على ارض المعركة لا يفكر في شيء غير القتال فهو يرى العدو قريب وقريب جدا وعليه فالانتصار اقرب وفي ذلك كانت له قراءات تكتيكية حيث يعتقد انه كلما اقترب العدو منه زاد قربه من الانتصار لأنه وبلغة الواثق يقول : لاتدخل المعركة قبل أن تتخيل نفسك منتصرا فيها فأنت صاحب قضية والعدو جبان هزيل .. هكذا كان يقول لذلك كان يرى نهاية المعركة في بدايتها وان بدت سهلت وعجلت انتقاله إلى الضفة الأخرى حيث النصر الكبير يقول إن العدو لا شيء وان كان شيء فهو جامد لكن يؤمن به في الوجود ويراه ضروري في الحياة البشرية والحياة تجربة لابد أن ندخلها وإلا قد نخرج منها أشياء جامدة والنتائج حتمية ومنها تحسم الأمور وتقرأ الأشياء على حقيقتها .
نعود لنبقى دائما قريبين من الموضوع ونمر بسرعة إلى أسباب وكيفية إصابة هذا المقاتل بجروح بليغة قد تضمد لأنه يرى أملا في ذلك قد لايراه أطباء الاختصاص و هو نفسه مدرك لخطورة جراحه لكن يرى أنها غير قابلة للتعفن لأن دمه حار وحر ونقي وأصيل والغريب فيه انه سعيد بجراحه لأن دمائه نزفت ولازالت واختلطت بتراب الأرض الطاهرة حتى صارت عجينة . الرصاصة التي اخترقته ليست من طرف العدو وليست طائشة مجهولة في المعركة بل هي من فوهة بنادق رفاق الدرب لم تخرج خطأ أو سهوا . المعركة كانت مشتدة ولهفته للنصر وإحساسه بالتأخر عنه جعلته يتحرك بسرعة لسد الفراغ في الجبهة الأمامية مما جعله يتقدم أشواطا مبتعدا عن فصيله حتى صار في قلب المعركة ولحسابات عدة لازالت خيوطها غامضة قد يعجز حتى الخبراء العسكريين إن لم نقل حتى النفسانيين عن فك خيوطها العنكبوتية باغثته رصاصة من الخلف وتحديدا من أفواه بنادق فصيله ورغم سخونتها إلا أنه قرأ فيها الكثير من الاحتمالات ولم يسقط على عكس ما أراده ضاغط الزناد حيث يكون قد اعتقد هذا الأخير أن المقاتل تجاوز الخطوط الحمر للمعركة وهو غير قادر عليها أو له أهداف خفية أو سيسقط أسيرا أو يقضى على أيدي العدو لذلك يجب إنهاء سيره نحو الأمام فنفذت الأوامر وتم إطلاق النار عليه نار حامية لم تأثر فيه لأن الله معه قرأ الرسالة واغتاظ وزاد اندفاعا نحو الأمام حتى بلغ خنادق العدو وعبث بالعدو رغم مكره إلا أن ذكاء المقاتل كان خارقا وبقى يصول ويجول في ارض المعركة ووقف على حقيقة العدو الذي وجده حقا هزيل وذليل وغبي مثلما كان يتصوره عندها تأكد له أن تفكيره صائب والله وأشراف الأمة معه مما زاد قناعته بمواصلة الزحف وتمنى لو يجد ثلة مخلصة شريفة لحرر الشعوب المستبدة من قبضة المحتل معاكس بأمنيته أمنية ( بيجار) الجنرال الفرنسي الذي قال على الشهيد الجزائري خلال الثورة الجزائرية العربي بن مهيدي لو أن لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لفتحت العالم هذه هي الحقيقة التي وصل إليها هذا المقاتل بينما وصلت أخبار وراجت أفكار واعتقادات بأن المقاتل سينتهي من جراء تلك الرصاصة العاجلة وان نجى سيأسر أو يغادر ارض المعركة ويموت بعيدا أو يكون عرضة للذئاب الجائعة والكلاب الضالة التي عادة ما تتعقب ارض المعارك وهذا اغلب الضن ولم يستطيع احد أن يتصور أن المقاتل لم يمت وهو لازال صامدا في ارض المعركة وحقق انتصارات عديدة واستحوذ حتى على الغنائم وسيعود يوما ومعه الكثير والكثير وهذه هي المعارك وهكذا هم الرجال الذين تبكيهم الأمة اليوم فهم أحياء شهداء لم يموتوا انهوا ظاهريا ونهايتهم تمت خطأ وبنيران صديقة