فيفري 06، 2007


حقيقة القادسية الثانية وأم المعارك الخالدة وموقف صدام حسين المجيد 2/2

خليفة فهيم الجزائري


ملاحظة الكاتب

لقد اعتمدنا في كتاباتنا هذه حول حقيقة الملحمتين القادسية الثانية وأم المعارك الخالدة وموقف القائد صدام حسين المجيد على مصادر ووثائق جد رسمية هي بحوزة عدة جهات وهيئات رسمية وتبعا لما دونه مؤرخون مستقلون بكل شفافية من زاوية محايدة حسب ما أملاه عليهم ضميرهم الحي وإنسانيتهم الحرة بعيدا عن الأهواء المتحيزة أو الحاقدة قصد التضليل وبدون أي مضاربة أو تناقض. ولان الضمير والقلم لم ينجرا لأي جهة معينة فقد جمعت ودونت حقائق عديدة في غاية من الشفافية يستنتج منها القارئ الكريم على أن هناك عداء لا متناهي ضد الأمة العربية ممتد عبر العصور يرمي إلى ضرب وغلق نافذة أشاع منها الله النور للإنسانية ومدت منها شرايين الحياة التي أراد الله لنا أن نحياها. ولإرادة ألاهية وفر الله لهذه الأمة وسائل مادية ومعنوية وكذا بشرية ممثلة في عناصر خيرة هي نتاج صالح من رحم هذه الأمة عاهدت الله عبر العصور على إسماع كلمته ورفع رايته والوقوف الند العالي والتصدي الدائم لمن يريد أن يجعل أمة الرسالات تعيش في ظلام.
لقوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" صدق الله العظيم

لكي نفهم أم المعارك فهما صحيحا عميقا علينا أن نفهم قبل ذلك طبيعة هذه المعركة وأسبابها الحقيقية.
ففي الظاهر تبدو المعركة وكأنها معركة بين أمريكا والعراق بسبب دخول العراق إلى الكويت والواقع أن المعركة اكبر من ذلك وأوسع بكثير وما دخول العراق إلى الكويت سوى ذريعة وحجة.
فهذه المعركة ليست معركة العراق فقط. بل هي معركة الأمة العربية ومعركة الإنسانية أيضا. ودور العراق فيها انه يخوضها نيابة عنها كما حكمت ظروف المرحلة التاريخية.
أما الطرف الأخر في المعركة فهو الغرب الاستعماري كله ومعه الصهيونية والكيان الصهيوني وعملاؤهما بقيادة أمريكا.
ثم أن المعركة ليست بسبب دخول العراق إلى الكويت فهذه ليست سوى حجة كما قلنا بل بسبب ما يمثله العراق في نهضة الأمة العربية ونضالها ونضال الإنسانية من أجل عالم أفضل في هذه المرحلة التاريخية.
ولكي نفهم ذلك فهما عميقا علينا أن نفهم ونستوعب الحقائق الجوهرية الثلاث الآتية.

الحقيقة الأولى : إن الغرب الاستعماري وشريكته الصهيونية العالمية لا يريدان الأمة العربية أن تتوحد وتنهض وتبني دولة موحدة حديثة تمتد من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي ويعدان نهوض أي قطر عربي نهوضا ذا محتوى قومي تقدمي مقدمة لنهضة الأمة كلها ومتى ما حقق قطر عربي من هذه الأقطار مثل هذه النهضة تآمر عليه وعملا على تدمير نهضته مهما كلفهما ذلك من ثمن.
ذلك أن الغرب الاستعماري يعد النهضة العربية خطرا عليه وعلى أطماعه ومصالحه في الوطن العربي والعالم فنهوض الأمة العربية وقيام دولتها الموحدة يعني ظهور قوة عظمى جديدة تحتل موقعا استراتيجيا مهما وتمتلك قوة بشرية كبيرة وثروة مادية هائلة وتحمل رسالة تاريخية إنسانية وهذا لا يتقاطع مع رغبة الغرب الاستعماري في الاستحواذ على ثروات الأقطار العربية واستقراها التجارية فقط بل يتقاطع أيضا مع رغبته في النهضة على العالم واستغلاله.
أما الصهيونية فتعد قيام دولة عربية من هذا النوع نهاية كل الأحلام التي سطرتها في بروتوكولات حكماء صهيون ونهاية الكيان الصهيوني قبلها. إذا فهدف الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية هو الحيلولة دون قيام نهضة عربة قومية وإذا قامت بذرة هذه النهضة في قطر عربي فيجب تدميرها قبل أن تنمو وتزدهر وتثمر ويستفحل خطرها وقد كان العراق بانجازاته الكبيرة وانتصاراته وإمكاناته البشرية والمادية. وبما آل إليه في ظل ثورة تموز العظيمة بقيادة القائد صدام حسين المجيد كان هو هذه البذرة ولذلك تكالبوا عليه وأرادوا تدميره هذه هي الحقيقة الأولى

الحقيقة الثانية : فهي أن أمريكا كانت تخطط منذ زمن طويل لاحتلال منابع النفط في منطقة الخليج العربي ذلك لأن هذه المنطقة تختزن تحت أرضها نحو 70من المائة من احتياطي النفط في العالم واحتلالها والسيطرة عليها يعني التحكم بإنتاج هذه المادة وبأسعارها ونقلها وتسويقها ويعني أيضا وضع الدول الصناعية كلها بل العالم كله تحت رحمة المحتل.غير أن أمريكا لم تكن قادرة بوجود الاتحاد السوفيتي على القيام بمثل هذه الخطوة فلما انهار الاتحاد السوفيتي أواخر الثمانينات وانهمكت روسيا بمشاركتها الداخلية وانكشف لأمريكا ضعفها وهشاشتها أخذت تتحين الفرص لاحتلال منطقة الخليج العربي.

الحقيقة الثالثة
: فهي أن العراق يمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم والنفط العراقي نفط حر منذ أن قامت ثورة17/30 من تموز العظيمة بتأميمه. ووجود هذا النفط الحر بهذه الكمية الكبيرة يشكل ثغرة كبيرة في خطة أمريكا للهيمنة على نفط الخليج العربي إذ سيدفع الكثير من الدول الصناعية إلى التعامل مع العراق والتخلص من الضغوط والتهديدات الأمريكية وكان هذا دافعا آخر ولكنه دافع قوي لطمع أمريكا في العراق والتآمر على ثورته وقيادتها التاريخية.
وزيادة على ذلك إن منطقة الخليج العربي منطقة رخوة والعراق أصبح بعد انتصاره على إيران عام 1988 أكبر قوة عسكرية في المنطقة وصارت الجماهير العربية تعلق الأمل عليه وعلى قوته ولذلك لم تعد أمريكا تتحمل وجوده وصار تدمير والقضاء على ثورته والتخلص من قيادته التاريخية هدفاً من أهدافها وجزءاً من خطتها المرسومة لاحتلال المنطقة.
إذا فهمنا هذه الحقائق الثلاث المترابطة فهماً جيداً، فهمنا لماذا وقع العدوان على العراق ولماذا فرض الحصار الشامل عليه ولماذا الإصرار على تصفية ثروته ولماذا استهداف قيادتها التاريخية.
ولماذا اجتمعت على العراق أكثر من ثلاثين دولة وحشدت قوات أكثر من ثمانية وعشرين جيشاً لضربه وتدمير نهضته العلمية والحضارية، ولماذا حوصر حصاراً شاملاً لم يشهد له التاريخ مثيلاً على الإطلاق.
إن السذج والبسطاء يتصورون أن هذا كله حصل بسبب دخول العراق الكويت، والواقع أن الكويت ليست سوى ذريعة وحجة فالتفكير بضرب العراق وتدمير نهضته بدأ قبل ذلك بمدة طويلة، بدأ منذ أن بدأت نهضة العراق العلمية والحضارية وبناء قوته العسكرية، ولهذا اغتيل بعض العلماء العراقيين والعلماء العرب العاملين في العراق في أواخر السبعينات، ولهذا أيضا دمر المفعول الذري السلمي الذي اشتراه العراق من فرنسا قبل شحنه إلى العراق في الحقبة الزمنية نفسها.
بل أن العدوان الإيراني على العراق في 4 /9 /1980 كان الهدف منه إشغاله واستنزاف طاقاته وإيقاف عجلة تقدمه العلمي والحضاري وتدمير ما شهدته ثورته 17ـ30 من تموز العظيمة والذي وصفوا العدوان الإيراني بأنه حرب بالنيابة عن الاستعمار والصهيونية لم يخطئوا الوصف، ولهذا اتفق نظام خميني الحاكم في إيران مع الكيان الصهيوني على تدمير مفاعل تموز النووي السلمي عام 1981. ولهذا أيضاً عملت أمريكا وعمل الكيان الصهيوني على إطالة أمد العدوان ومد نظام خميني بالأسلحة والاعتدة لكي يستطيع مواصلة العدوان على العراق وقد أصبح من الحقائق المعروفة أن المخابرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية قد زودت إيران بمعلومات استخبارية عن العراق، ومنها المعلومات التي سهلت لإيران احتلال الفاو عام 1986.
غير أن كل ذلك لم يحقق أهداف الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية بل بالعكس، فقد انتصر العراق على إيران نصراً عظيماً شاملاً وساحقاً في 8/8/1988 وأعطى بهذا النصر دليلاً على ما يستطيع العرب أن يفعلوه إذا ما توفرت لهم قيادة مخلصة وأمينة ونظيفة وحازمة وعندئذ قررت أمريكا أن تنزل بنفسها إلى العدوان وتدخل مع العراق في معركة حاسمة فاصلة تحقق لها جميع أهدافها الاستعمارية والصهيونية فراحت تعد الخطط وتهيئ الظروف والأجواء لضرب العراق واستخدمت العملاء الحاكمين في الكويت أداة لتحقيق هذا الهدف ورسمت لهم سبل التآمر على العراق.
أجل لقد جعل حكام الكويت من أنفسهم أداة لتحقيق هذا الهدف الاستعماري الصهيوني، وتنفيذاً لذلك قام هؤلاء العملاء بما يأتي:
1 ـ إطلاق ادعاءات بشأن تابعية جزء من أراضي العراق للكويت، وهي الأراضي التي اغتصبت في ما بعد قرار من مجلس الأمن. مع أن الكويت كلها جزء من العراق، وكانت مجرد قضاء تابع لولاية البصرة
2 ـ رفض أية مبادرة تقدم بها العراق لحل قضايا الحدود بين الجانبين واللجوء إلى التسويف والمماطلة حتى وقع العدوان، ومنها قضية جزيرتي وربة وبوبيان.
3 ـ استغلال انشغال العراق بالحرب مع إيران لسرقة نفط حقل الرميلة الجنوبي.
4 ـ الخروج على الحصة المقررة للكويت من إنتاج النفط، وإغراق السوق بكميات كبيرة منه، بغية تخفيض أسعاره للإضرار بالعراق الذي كان قد خرج تواً من الحرب مع إيران، وكانت به حاجة ماسة لتحسين ظروفه المالية وأوضاعه الاقتصادية.
إن هذه القضايا قد تبدو لقصير النظر وقليل الوعي قضايا ثانوية جزئية ويمكن أن تحل بالمفاوضات والواقع أن هذه القضايا ليست ثانوية ولا جزئية فالعراق دولة في نهوض وتقدم مستمر ونهوضه وتقدمه يحتاجان إلى منفذ بحري واسع يستوعب نشاطه الاقتصادي وعلاقاته التجارية الواسعة مع العالم ولذلك فان أي بقعة أرض تطل على الخليج العربي هي ضرورية له ضرورة ماسة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى العراق في بحاجة إلى الأرض لأغراض أمنية دفاعية تعطي قواته البحرية مرونة في الحركة وتوفر لها قواعد ومصدات ولذلك لا يمكن التضحية بأي شبر من الأرض هنالك. فكيف والأراضي والجزر التي نتحدث عنها هي عراقية أصلا منذ أقدم العصور.
هذا فيما يتعلق بالأرض أما فيما يتعلق بالنفط فلماذا ينبغي أن يغض العراق النظر عن سرقة نفط واحد من أكبر وأهم حقوله النفطية ؟ لو كانت الكويت فقيرة لا تملك نفطا وليست لها موارد تفيض على حاجاتها لهان الأمر ولكن أن تكون بهذا الغنى وأن يكون لديها احتياطي نفطي كبير فالسرقة هنا سرقة وهي غير مقبولة بأية حال.
إن العراق كان قد خرج توا من الحرب مع إيران. وان تكاليف الحرب باهظة ترتبت عليه بسببها ديون ثقيلة وكان في حينه بحاجة إلى إعادة تنظيم اقتصاده وترتيب أوضاعه المالية فلماذا لجأ حكام الكويت إلى إغراق السوق بالنفط بحيث أدى إلى خفض أسعاره من 21 دولارا للبرميل الواحد إلى 11 دولار للبرميل فقط وهذا أدى إلى إلحاق خسائر فادحة بالعراق تقدر بمليار دولار في مقابل كل دولار انخفض من سعر النفط وفي وقت هو أحوج مايكون فيه إلى أموال.
وعلى الرغم من هذا الأسلوب الخبيث المتعمد على الرغم من هذا التآمر المكشوف على العراق. حاول العراق أن يحل هذه القضايا مع حكام الكويت عن طريق الاتصالات والحوارات ولكن هؤلاء ظلوا يماطلون ويتهربون ويتجاهلون بل هم صاروا يقابلون وفود العراق بجفوة وغلظة وعدم لياقة متناسين كل ما قدمه العراق من تضحيات لحمايته وحماية دول الخليج العربي كلها من الخطر الإيراني الذي كان يهددهم وينذر بابتلاعهم.
وحين لم تنفع الاتصالات والحوارات أخذ العراق ينبه هؤلاء إلى ما تعنيه تصرفاتهم والى خطورة مايقومون به والأضرار التي يلحقونها بالعراق ويحذرهم من نتائجها ولكنهم كانوا يسدون أذانهم عن سماع أي تنبيه أو تحذير حتى طفح الكيل بالعراق.
من ذلك مثلا أن القائد صدام حسين المجيد شرح الموقف بوضوح أمام الرؤساء والملوك العرب وبحضور حاكم الكويت في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في بغداد في أواخر مايو سنة 1990 وقال بعبارة واضحة وصريحة ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) لتبيان خطورة الموقف والمدى الذي وصل إليه وردود الفعل العراقية المحتملة ولكن حكام الكويت تجاهلوا الأمر وكأنه لا يعنيهم.
لكن نتيجة للضغوط التي مارسها العراق عقد في جدة السعودية اجتماع في 10_11 تموز من ذلك العام حضره وزراء النفط في كل من العراق والإمارات وقطر والسعودية والكويت ونوقشت في الاجتماع أوضاع سوق النفط وتدهور أسعاره وأسباب هذا التدهور والأضرار الفادحة التي نتجت عنه وقد اتفق في هذا الاجتماع على التزام بسقف الإنتاج فورا وتصحيح مسار الأسعار إلى مايزيد على 18 دولار غير أن الكويت والإمارات لم تلتزما بذلك.
ومع ذلك عاد العراق إلى الصبر والتحذير فوجه إلى الجامعة العربة رسالة بهذا الشأن في 15 من تموز 1990 ثم عاد فحذر في الخطاب الذي ألقاه القائد صدام حسين المجيد لمناسبة 17/30من تموز.
وفي ضوء ذلك عقد اجتماع آخر في السعودية حضره عن العراق عزت إبراهيم الدوري نائب رئيس قيادة مجلس الثورة وعن الكويت سعد العبد الله ولي عهد حاكم الكويت ولكن الاجتماع لم يسفر عن شيء وكان حضورهم الاجتماع ذرا للرماد في العيون. عندئذ طفح الكيل وكان لابد من اتخاذ خطوة حاسمة.
يقول القائد صدام حسين المجيد عما وصل إليه الحال يومئذ (لم يكن أمامنا غير خيارين فإما أن يقع العراق محطما على الأرض ليلعب الأمريكان كما يريدون أو أن نضرب حلقة التآمر المكلفة بهذا الواجب) فكان الخيار الذي لا بد منه هو ضرب هذه الحلقة الخبيثة.
وعلى الرغم من كل ما حدث فان العراق سعى إلى تجنب الاصطدام المسلح مع أمريكا ولكن ليس بالشروط الأمريكية والصهيونية المهينة بل من موقف عادل ومشرف يتناسب مع حقوق العراق والأمة العربية ومع كرامته الوطنية والقومية.
فعلى اثر صدور قرار مجلس الأمن 660 في مساء الخميس 2/8/1990 الذي يدعو في الفقرة (3) منه كلا من (العراق والكويت إلى البدء في مفاوضات مكثفة لحل خلافاتهما ويؤيد جميع الجهود المبذولة في هذا الصدد وبوجه خاص جهود الجامعة العربية).
في يوم السبت 4/8/ 1990 أعلن العراق استعداده للانسحاب من الكويت وبدأ فعلا في سحب قواته يوم الأحد 5/8/1990. وأعلن أن الوجبة أخرى ستسحب يوم الثلاثاء 7/8/1990 وتهيأت فعلا للانسحاب وكان هذا القرار بالانسحاب قد اتخذ على أساس أن قمة عربية ستعقد في (جدة) يحضرها العراق والسعودية ومصر والأردن واليمن والكويت لحل الأزمة إلا أن الولايات المتحدة رفضت عقد هذه القمة وأمرت مبارك وفهد التخلي عنها وقررت إرسال قواتها إلى السعودية وأصدرت قرار مجلس الأمن 661 في 6/8/1990 بفرض الحصار عي العراق.
ولما فشل الحل الأول أعلن العراق في 12/8/1990 مبادرة للاستعداد للانسحاب على أن ينسحب الكيان الصهيوني من الأراضي العربية المحتلة وتنسحب سورية من لبنان فرفضت هذه المبادرة العراقية.
وفي لقاءات القائد صدام حسين المجيد مع الشخصيات العالمية مثل كورت فالدهايم رئيس النمسا الذي التقى به في 26/8/1990. وجيسي جاكسون مرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي للرئاسة في 28/8/1990 أبدى استعداد العراق لإجراء تسوية للازمة بالمفاوضات.
في أيلول 1990أعلن الرئيس فرنسوا متران في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة فرنسية قال فيها (أن كل شيء ممكن للاستجابة لشاوي العراق على أن يعلن العراق أولا رغبته في الانسحاب) وعندما استطلع العراق من فرنسا عن الضمانات التي تقدم له لحل النزاع.. لم يجب الفرنسيون على ذلك.
في 21/10/1990 صرح أدورت هيث رئيس وزراء بريطانيا الأسبق أن الرئيس صدام حسين المجيد على استعداده لتحقيق تسوية سليمة.
في 2/11/1990ادلى بتصريح مماثل السيد ناكسوني رئيس وزراء اليابان الأسبق وقال ا، الرئيس صدام حسين المجيد أبدى التزاما جديدا وصادقا للوصول إلى حل سلمي.
في 5/11/1990 أكد الموقف نفسه المستشار الألماني الأسبق فيلي برا ندت حيث التقى الرئيس صدام حسين المجيد مرتين.
في 11و 12/11/1990 أكد وزير خارجية الصين استعداد الرئيس صدام حسين المجيد لممارسة جهود كبيرة لتحقيق حل سلمي.. وان الصين تؤيد عقد قمة عربية للوصول إلى هذا الحل.
في 20/11/1990 دعا ملك المغرب إلى عقد قمة عربية ولم توافق واشنطن على دعوته لأنها كانت تعد لقرار 678 في 29/11/1990 الذي خول الولايات المتحدة استخدام القوة ضد العراق.
في 1/12/1990قام الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بمحاولة جديدة فطلب زيارة الرياض وواشنطن وقد رفضت السعودية وأمريكا استقباله.
في 5/1/1991 زار بغداد ميشيل فوزيل مبعوثا من الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران..وأعلن بعد لقائد مع الرئيس صدام حسين المجيد أن اتفاقا قد تم التوصل إليه مع العراق للانسحاب من الكويت إذا أعطيت له ضمانات بعدم شن عدوان عسكري عليه وفي ضوء ذلك أرسلت الحكومة الفرنسية (أغار بيزاني) إلى جنيف يوم 9/1/1991 للقاء مع السيد طارق عزيز وقد له خطة للتفاوض وقد وافق الرئيس صدام حسين المجيد على الخطة وطلب حضور رولان دوما وزير خارجية فرنسا أو المبعوث الرئاسي بيزاني إلى بغداد للتوقيع على الخطة..إلا أن ميتران رفض أن يرسل أحدا وكان عذره أنه يريد أن يلتقي أولا ب(ديكويلار) بعد عودته من بغداد الذي ذهب إلى العراق في 13/1/1991 بناء على طلب من مجرم الحرب جورج بوش الأب ليزورها لعدة ساعات ويقابل الرئيس صدام حسين المجيد ثم يذهب إلى أوربا لكي يعلن هناك أن العراق يرفض الانسحاب..في حين أن العراق دعا دي كويلار إلى أن توفر الأمم المتحدة الضمانات لانسحاب القوات العراقية في ظروف وشروط خالية من أي تهديد من القوات الامريكية وحلفائها فلم يبد دي كويلار أي استعداد للتحرك في هذا الاتجاه بل كان متآمرا مع الإدارة الأمريكية في التعتيم على الموقف العراقي (حيث ظهر أن بوش كان قد وقع في 10/1/1991أمر الهجوم على بغداد) بينما زيارة دي كويلار إلى بغداد كانت في 13/1/1991.
وهكذا أفشلت أمريكا عن سابق تعمد وتصميم كل محاولة بذلت من أجل التوصل إلى حل سلمي عادل ومشرف وأصرت على تنفيذ خططها لضرب العراق.
تساندها بعض الأنظمة العربية العميلة حيث أدت هذه الأنظمة العربية دورا خيانيا مكشوفا في هذا الصراع كما لو أنها وجدت في ضرب العراق فرصتها للتخلص من الأنموذج الثوري القومي المتحرر المزدهر الذي بنته ثورة البعث في هذا القطر المكافح وصار محط أنظار الجماهير العربية تقارن به الأنظمة التي تحكمها وتكشف من خلاله هذه المقارنة سيئاتها وخاصة النظامان الحاكمان في السعودية ومصر.
فقد خضع هذان النظامان لأوامر أمريكا خضوعا مطلقا واخذ منذ الأيام الأولى ينسقان معها وينفذان أوامرها بلا نقاش واديا معا الدور الأساسي للحيلولة دون انعقاد اجتماع قمة خماسية كان ينبغي أن يعقد في جدة ويحضره كل من العراق ومصر والأردن واليمن والسعودية لصياغة حل عربي للمسألة ولكن النظامين السعودي والمصري تنصلا من عقد هذا الاجتماع وراح ملك السعودية فهد يروج للمزاعم الأمريكية القائلة بأن العراق ينوي غزو السعودية وسرعان ما أعطى للأمريكان موافقته على استقدام طلائع القوات الأمريكية إلى ارض نجد والحجاز وتقديم جميع التسهيلات لها.
وحين تقرر عقد قمة عربية في القاهرة للنظر في الموضوع نسق هذان النظامان معا واستغل رئاسة مصر للمؤتمر لتمرير قرار أمريكي كانت مسودته قد كتبت في واشنطن وتسلمته رئاسة المؤتمر مكتوبا ومررته بصيغته التي كتب بها بصورة غير نظامية برغم معارضة الأكثرية وبرغم الاحتجاجات الصارخة من قبل بعض الحضور.
وينبغي أن نذكر للتاريخ في الأقل أن الأنظمة الخليجية بدون استثناء قد فتحت أراضيها ومطاراتها وموانئها لقوات العدوان وأسهمت في تمويله وان الأنظمة الحاكمة في مصر وسورية والمغرب قد أرسلت وحدات عسكرية إلى السعودية لتقف في مواجهة القوات العراقية وان الوحدات العسكرية المصرية بالذات قد شاركت في القتال ضد القوات العراقية.
إن هذا الذي قامت به هذه الأنظمة يعد في جميع الأحوال جريمة بحق الأمة العربية فهي قد وفرت للعدوان مظلة عربة مهلهلة حاولت أن توهم العالم بان إعلان الحرب على العراق (قرار عربي) قبل أن يكون قرارا أمريكيا ولهذا ستظل جريمتها هذه سبة عليها على مدى التاريخ كالسبة التي لحقت بأبي رغال.
ولكن إذا كان هو هذا موقف الأنظمة المتواطئة فان موقف الجماهير العربية كان نقيضه تماما منذ الثاني من آب 1990 حتى اليوم فالجماهير العربية ناصرت العراق منذ اللحظة الأولى وتظاهرت من أجله وتعرضت من اجل ذلك إلى شتى الوسائل القمعية ومع ذلك لم تكف عن تأييد العراق ومناصرته.
وقد استقبلت هذه الجماهير ضرب الكيان الصهيوني بالصواريخ العراقية بفرح غامر واعتلت سطوح دورها تكبر وتزغرد كلما مر صاروخ عراقي في طريقه إلى هدفه داخل الكيان الصهيوني فقد وجدت في ذلك انتصارا لكرامتها وتعبيرا عما تمتلكه الأمة من قدرات وإمكانات يحاول الاستسلاميون هدرها أو التغاضي عنها ليسوغوا جبنهم واستسلامهم.
وبرغم محاولات التضليل والإيهام لم تفلح الأنظمة المتواطئة في تغيير وجهة نظر الجماهير العربية بموقف العراق وقيادته التاريخية فظلت تعبر عن مشاعرها النقية بما تستطيع من وسائل ومنها تسمية مواليدها باسم القائد صدام حسين المجيد. ذلك أنها أدركت بحسها الأصيل ووعيها البسيط أن المعركة التي يخوضها العراق ليست معركته وحده بل هي معركة الأمة العربية وان العراق يخوضها نيابة عن الأمة كلها.
إن موقف الجماهير هم الأهم في نظرنا وان بدا للنظر السطحي انه غير مؤثر أو غير حاسم فقد كانت هذه الأنظمة ومازالت تخشى هذا الموقف وتحاول تحجيمه واحتوائه أو مجاراته حين لا تستطيع بل أن هذا الموقف هو الذي أرغم بعض هذه الأنظمة على التظاهر في ما بعد بخلاف موقفها الحقيقي المبيت وهو الذي اجبرها على إبداء قدر من المرونة أو التراجع على مستوى العلني.
ويبقى موقف الجماهير هو المقياس أولا وأخيرا فهو الموقف المعبر عن حقيقة الأمة وهو الموقف الذي يتبناه التاريخ أما موقف الأنظمة الخائنة والمتواطئة فيبقى هو الموقف المدان الآن وفي المستقبل مهما ارتدى من أغطية.
اتضح مما تقدم كيف كانت أمريكا مصممة على العدوان وكيف عملت مع عملائها من الحكام العرب على إجهاض الحل العربي وإفشال كل مبادرة سلمية دولية.
وقد حشدت أمريكا وحلفائها الأشرار ما يزيد على نصف المليون من الضباط والجنود وإعدادا هائلة من الطائرات والصواريخ والدبابات مع احدث المعدات الفنية وأكثرها تطورا وأسهمت في هذا الحشد قوات من 28 جيشا جاءت من مختلف أنحاء العالم لا لتدافع عن أوطانها بل لتعتدي على بلد صغير في المعايير الدارجة. إرضاء لأطماع شركات النفط الاستعمارية وتطمينا لزمرة من الشيوخ الفاسدين الذين أصبحوا حكاما وصارت لهم دويلات في غفلة من الزمن.
وفي ليلة 16/17 كانون الثاني بدأ العدوان بهجوم جوي شامل على أكثر من 400 هدف مدني وعسكري في مختلف أنحاء العراق من ضمنها الجسور والسدود والمدارس و المستشفيات والجوامع والكنائس والمتاحف ومراكز الاتصالات والمصانع والسكك الحديدية ومستودعات الحبوب والغذاء ومحطات توليد الكهرباء ومصافي النفط ومستودعات الوقود ومحطات تصفية مياه الشرب ومنظومات المجاري ولم تسلم من هذا الهجوم الإجرامي حتى الأحياء السكنية في بغداد والمحافظات وحتى الرعاة وتجمعات البدو في الصحراء واقترفوا خلال ذلك أبشع الجرائم ضد المدنيين. ومنها جرائم قصف ملجأ العامرية وسوق الفلوجة وجسر الناصرية وجسر السماوة وغيرها.
لقد استخدمت قوات العدوان ما كان قد أعده الحلف الأطلسي من أسلحة ومعدات متطورة لمواجهة حرب عالمية ثالثة كان يمكن أن تنشب بينه وبين الاتحاد السوفيتي وحلفائه. وقد بلغ عدد الغارات الجوية التي شنها المعتدون ابتداء من ليلة 16/17 كانون الثاني حتى 28 من شباط حين أصبح قرار وقف إطلاق النار ساري المفعول ما مجموعه 112 ألف غارة جوية أسقطت خلالها على العراق ما مجموعه 141 ألف طن من المتفجرات وهو ما يعادل سبع قنابل ذرية من تلك القنبلة التي ألقتها أمريكا على مدينة هيروشيما اليابانية.
وكانت أمريكا تريد بكل من ذلك تدمير منجزات العراق الحضارية وإعادته إلى عصور التخلف وتحطيم إرادة شعبه العظيم وإذلاله وإجباره على التسليم و الركوع. ولكن العراق وشعبه صمدا صمودا يليق بهما وبتاريخهما المجيد ويتناسب مع ثقة الأمة العربية بهما. ولم يمكنا المعتد ين من تحقيق الأهداف التي خططوا لها.

وقد رد العراق على الغارات الجوية المعادية بقصف مواقع العدو وتجمعات قواته في الجزيرة العربية بضربات جوية وصاروخية كما وجه ضربات صاروخية إلى الكيان الصهيوني ابتداء من 18 كانون الثاني 1991 حتى وقف إطلاق النار وذلك لأنه كان احد أركان التآمر على العراق وشعبه العظيم ولأنه قصف مفاعل النووي العراقي في حزيران 1981.
ومع أن العراق كان يدرك تفوق المعتدين التقني فقد كانت له خطته لمواجهتهم وكانت هذه الخطة تقوم على عنصرين أساسيين. أولهما استخدام التمويه وبناء التحصينات في الجبهة لتقليل تأثير القصف الجوي والمدفعي المعادي وثانيهما استدراج القطعات المعادية إلى معارك برية تلحق بها اكبر قدر من الخسائر.
وقد نجحت عمليات التمويه والتحصين نجاحا باهرا ولكن المعتدين تهربوا من الالتحام البري حتى حين قامت بعض القطعات العراقية بالتوغل داخل الأراضي السعودية واستعاضوا عن هذا الاقتحام بالقصف الجوي والمدفعي وعند ذلك قررت القيادة العامة للقوات المسلحة احتلال مدينة الخفجي السعودية التي تبعد عن حدود الكويت الجنوبية بنحو 30 كلم وهكذا بوغث العدو بهجوم عراقي صاعق على هذه المدينة ففر الأمريكان منها مذعورين وسقطت في قبضة القوة العراقية المهاجمة خلال اقل من أربع ساعات.
ومرة أخرى تجنب الأمريكان الالتحام البري واستعاضوا بالقصف الجوي والمدفعي ولذلك قرر العراق سحب قواته من هذه المدينة وإعادتها إلى المواضع التي انطلقت منها بعد أن كبدت الأعداء أعدادا من القتلى والجرحى وأسقطت عددا من الطائرات السمتية والطائرات ثابتة الجناح منها طائرة سمتية كانت تقل 18 ضابطا أمريكيا.
لقد كانت هذه العملية إحدى مفاخر الجيش العراقي الباسل لأنها دلت على مدى شجاعته وكفاءته وقدرته في التخطيط والتنفيذ وشهد بذلك الأعداء قبل الأصدقاء.
وعدا ذلك حاول العدو بعملية إنزال خلف القطعات العراقية فتم التصدي لها وإسقاط أربع طائرات سمتية كبيرة من طراز (شينوك) بحمولتها واسر عدد من العسكريين الأمريكيين والسعوديين.
وحاول العدو يومي 21 و 22 من شباط مرتين تحقيق تماس مع القوات العراقية ولكنه جوبه بنيران حامية فاضطر إلى الانسحاب مخلفا وراءه عددا من الدبابات المدمرة حين شعر بان القطعات العراقية قد تهيأت للقيام بالهجوم مقابل عليه
وأخيرا توهم المعتدون أن القصف الجوي قد أنهك القوات العراقية فقاموا بهجومهم البري الذي طبلوا له كثيرا وزمروا. فتصدت لهم قوات ثلاثة فيالق عراقية كبدتهم خسائر كبيرة في الدبابات والآليات والناقلات كما تصدت القوات العراقية لهجوم مشترك فرنسي_ بريطاني في البادية الغربية واحتوت هذا الهجوم.
ولما وجدت القيادة العامة للقوات المسلحة أن القوات المعادية تتجنب الالتحام في معركة برية واسعة النطاق وان الوضع السياسي الدولي يتطلب سحب القوات العراقية من الكويت وان هناك نيات أمريكية _ صهيونية هي ابعد من استعادة الكويت عندئذ قررت القيادة العراقية سحب قطعاتها وتعبئتها عند حافات المدن من اجل استدراج القوات المعادية وإيقاعها في فخ القتال في المدن وتكبيدها أفدح الخسائر البشرية.
وقد نجحت هذه الخطة في استدراج ثلاث فرق مدرعة معادية مساء يوم 26 من شباط 1991 ودارت معركة عنيفة في أجواء ملبدة بالغيوم المنخفضة والعواصف الترابية ففوجئ الأمريكان برجال القوات الخاصة العراقيين يتسللون بين دباباتهم يصطادونها واحدة بعد الأخرى فشاع في قلوبهم الرعب والارتباك وانسحبوا انسحابا غير منظم تلاحقهم قذائف المدفعية العراقية من أمامهم ومن خلفهم.
وفي يوم 27 من شباط قام الأمريكان والبريطانيون بهجوم مشترك على قطعات العراق جنوب غربي البصرة ففشل هذا الهجوم ودمر العديد من دبابات المعتدين واسقط عدد من سمتياتهم وقتل العديد منهم واستقر الموقف لصالح القوات العراقية.
وأخيرا وجد الرئيس الأمريكي مجرم الحرب بوش الأب أن الاستمرار في الحرب سيكبد القوات المعتدية خسائر فادحة فاصدر قرارا بإيقاف إطلاق النار من جانب واحد لهذا ولان العراق لم يكن يريد الحرب أصلا وافق على وقف إطلاق النار ليس من موقع المهزوم كما حاول الأعداء أن يصوروا الأمر بل من موقع الند المكافئ لنده بل من موقع المنتصر الذي افشل خطط عدوه ومنعه من تحقيق الأهداف التي كان يريد تحقيقها وكان هذا هو موقف العراق في محادثات وقف إطلاق النار فقد وقف ممثلو العراق موقف الند للند أمام ممثلي 28 جيشا شاركت في العدوان وكان هذا وحده كافيا للدلالة على جوهر المعركة وحقيقة العراق المنتصر.لكنه كانت هناك صفحة أخرى تنتظرها مصدرها الهضبة الإيرانية الحاقدة حيث انه فوجئ العراق
بعد وقف إطلاق النار بأن هناك تحالفا أمريكيا إيرانيا لتحقيق أهداف المعتدين التي عجزوا عن تحقيقها عن طريق العدوان العسكري.
فقد أبطن النظام الإيراني يغرما أظهره للعراق قبل وقوع العدوان لقد اظهر النظام الإيراني استعداده للتنسيق مع العراق ولكنه غدر بالعراق فور وقف إطلاق النار بأخص الطرق.
وقد بدأت نيات النظام الإيراني تنكشف في أثناء العدوان عندما كانت أجهزته الإعلامية تعبر عن موقف يتسم بالشماتة والتضليل وعندما سمح هذا النظام للصواريخ الأمريكية الموجهة إلى العراق وللطائرات الأمريكية المقاتلة والقاصفة بالمرور عبر الأجواء الإيرانية وهذا ملا يمكن أن يحدث إلا بوجود تنسيق بين الطرفين.
وفي صباح 2/3/1991 هبطت خمس طائرات سمتية مجهولة الهوية في منطقة التنومة في محافظة البصرة وترجل منها أشخاص وأنزلت منها كميات من الأسلحة والمعدات.
وخلال الأيام 1 و 2 و 3 من شهر آذار تدفق الألوف من حرس خميني على محافظة البصرة وذي قار وميسان وقضاء الحي في محافظة واسط. وقاموا مع العملاء المرتبطين بالنظام الإيراني بتدمير وحرق المقرات الحكومية والممتلكات العامة وتوريط السذج والبسطاء في نهب الأسواق.
وفي الوقت نفسه أخذت إذاعة تبث من داخل إيران في إذاعة خطب وبيانات تحرض على التخريب والقتل وتوجه تعليمات مجفرة إلى العناصر الإيرانية المتسللة.
وفي يوم 4/3 أمرت هيئة الأركان المسلحة العامة في إيران عددا من مقراتها بالسماح للإيرانيين المسفرين المدربين على السلاح والموجودين في محافظات أذربيجان الغربية وكردستان الإيرانية وكرمنشاه بالتسلل إلى العراق والقيام بعمليات مسلحة ضد الدولة العراقية.
وقد ثبت من خلال التحقيق مع العناصر التي القي القبض عليها ومن الوثائق التي كانت بحوزتها ومن المعلومات الواردة إلى الأجهزة الأمنية المختصة من داخل إيران فضلا على أدلة أخرى. أن النظام الإيراني متورط في التآمر على العراق.
وقد وصل التنسيق بين الأمريكان والإيرانيين حد قيام الطائرات الأمريكية بإلقاء منشورات خلال صفحة الغدر والخيانة مع كل منها ورقة نقدية من فئة 25 دينار تحث الناس على التمرد بشعارات إسلامية زائفة.
إن النظام الإيراني الذي هزم في حربه العدوانية مع العراق ظن أن الفرصة قد واتته لتحقيق أطماعه التي عجز عن تحقيقها بسبب هزيمته ولذلك نسق مع المعتدين الأمريكان وشارك مشاركة ميدانية في صفحة الغدر والخيانة وحاول احتلال العراق احتلالا مبطنا متسترا ببعض العملاء.
واللافت للنظر أن الدوائر الحكومية التي قام المتسللون من إيران بتدميرها وحرقها وحرق سجلاتها وأوراقها وأضابيرها هي الدوائر التي تحتفظ بالمعلومات التي تثبت عراقية العراقي ونعني دوائر الجنسية والأحوال المدنية ودوائر التسجيل العقاري ودوائر الكتاب العدول والمحاكم الشرعية ودوائر المرور والمدارس والمصارف.
وكان الهدف من ذلك واضحا هو تعويم هوية المواطن العراقي ومحوها لكي يتاح للنظام الإيراني توطيد مئات الألوف من المتسللين الإيرانيين في العراق بوصفهم مواطنين عراقيين.
غير أن الشجعان الغيارى من أبناء العراق استطاعوا التصدي لهذه المؤامرة والقضاء عليها في مهدها.
وهكذا يثبت النظام الإيراني مرة أخرى بأنه نظام ليؤتمن وان أطماعه التاريخية في العراق مستمرة وانه يتحين الفرص لتحقيق هذه الأطماع وهذا ما ينبغي أن يبقينا في يقظة دائمة حيال مواقفه وتصرفاته.
نعم لقد كانت أم المعرك الخالدة فعلا معاني ودلالات وعبر وحقائق ثابتة لا تتغير حيث يتوهم الكثيرون
أن أم المعارك هي الصفحة العسكرية التي يسميها الإعلام الأمريكي والصهيوني والإعلام المتأثر به باسم (حرب الخليج الثانية) كلا إن أم المعارك ليست صفحة واحدة بل صفحات عدة أحداها الصفحة العسكرية فصفحة الغدر والخيانة هي صفحة أخرى من صفحات أم المعارك وكذلك الحصار الذي هو في حد ذاته أكثر من صفحة.
إن أم المعارك هي كل هذه الصفحات وغيرها وقد سميت بهذا الاسم لأنها المعركة التي اجتمع فيه كل أعداء الأمة العربية في ظرف واحد وساحة واحدة لمجابهة الطرف الأخر وهو الأمة العربية نفسها ممثلة بالعراق رائدها وأنموذجها النهضوي ولان أعداء الأمة كانوا ينتظرون من حسم هذه المعركة لصالحهم القضاء على كل الأمة كل أمل للأمة في الوحدة والانبعاث والنهضة فهي إذا أوسع واشمل معركة خاضتها الأمة مع أعدائها التاريخيين إنها أم المعارك.
لكن العراق جسد في أم المعارك روح الأمة أروع تجسيد. فلم يكن المدافع عن حقها في النهضة وعن أنموذجها النهضوي فحسب بل كان المعبر عن قيمها ومثلها التي تعبر عن روحها أيضا فانتخاؤه وقتاله وجهاده وصبره وصموده لا مثيل لها إلا ما كان منها لأجدادنا من المسلمين الأوائل.
لقد قال العراق للامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية وعملائهما (لا) تاريخية بلسان قائد الأمة صدام حسين المجيد..لا..للاستعمار..لا..للصهيونية..لا..للاستسلام والركوع. قالها وثبت عليها ودافع عنها في وجه 28 جيشا مزودا بأحدث الأسلحة والمعدات قالها وانتصر قالها ولم يمكن أعداء الأمة وأعداء الإنسانية من تحقيق الأهداف التي خططوا لهل..قالها وبقى مرفوع الهام برغم العدوان والحصار..قالها وأصبح رمزا مشعا بكل المعاني العالية التي تنشده الأمة وتنشدها الإنسانية وهذا هو معنى النصر هذا هو جوهره فالنصر هنا نصر معنوي. رسالي وليس مجرد نصر فني في ساحة قتال.
لقد أشاع الغرب والصهيونية خلال العقود الثلاثة التي سبقت العدوان الإيراني على العراق روحا انهزامية مفادها أن العرب غير قادرين على القتال دفاعا عن حقوقهم المشروعة والدليل على ذلك معاركهم في أعوام 1948 و 1967 و 1983 التي لم تستمر سوى مدة قصيرة جدا وكانت نتائجها النهائية في غير صالح العرب غير أن العراق وهو جزء من الأمة العربية وليس كل الأمة اثبت زيف هذا الادعاء وبرهن عمليا على أن العرب قادرون على تحقيق أروع الانتصارات إذا ما توفرت لهم القيادة المؤمنة الأمينة على مبادئ الأمة والمتمسكة بحقوقها والحريصة على مصالحها.
وبرغم العدوان والحصار انتفض العراقيون بقيادة القائد البطل صدام حسين المجيد لإعادة بناء ماد مره الأشرار بحملة جهادية فريدة وكان شعار " تبا للمستحيل والله اكبر" هو شعارهم.
وقد تفجرت خلال حملة إعادة الاعمار هذه طاقات العراقيين ومواهبهم وقبل ذلك غيرتهم على وطنهم وأمتهم فأعادوا بناء البني الارتكازية والاقتصادية المدمرة خلال مدة لا تزيد على (11) شهرا ومن دون أي إعانة أجنبية أو الحصول على أية مادة من المواد الاحتياطية من خارج العراق.
لقد أراد المعتدون شل دورة الحياة في العراق وإعادته إلى عصور التخلف وترك العراقيين يتحسرون أو يتوسلون بالأجانب ويبحثون عن مساعدات وقروض أو يستسلمون للقوى الامبريالية والصهيونية من اجل إعادة بناء الجسور والمصانع والمصافي ومحطات الكهرباء والماء وغيرها ولكن عراق القائد صدام حسين المجيد لم يعط المعتدين الأشرار مثل هذه الفرصة.
وهكذا فعل العراق المحاصر في مدة استثنائية ما لم تستطيع أن تفعله ألمانيا واليابان وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية إلا في سنوات مع أنها لم تكن دولا محاصرة. بل أن هذه الدول لم تستعد عافيتها إلا بعد أن فتحت أبوابها للاستثمارات وحصلت على المساعدات مثل مشروع (مارشال) وغيره.
وكان هذا بحد ذاته درسا لأمتنا ولسائر الأمم والشعوب وخاصة شعوب العالم الثالث درسا في كيفية الاعتماد على الذات وتفجير طاقات الشعب الخلاقة وتعبئتها من اجل الحفاظ على السيادة الوطنية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والتحرر من أي شكل من أشكال النفوذ الاستعماري.
وإذا كانت أمريكا قد أرادت أن تجعل من العدوان على العراق ومن الحصار الذي فرضته عليه درسا تخيف به الحكومات والشعوب لكي تستسلم لها وتخضع لهيمنتها فان مقاومة العراق وصموده وانتصاره قد أدى إلى نتيجة معاكسة وتحول إلى درس من نوع آخر كشف للحكومات والشعوب أن أمريكا يمكن أن تقاوم بالإرادة الصلبة وبالتمسك بمبادئ الاستقلال والسيادة وحرية القرار والدفاع عن المصالح الوطنية والقومية وعدم التفريط بها وبرهن هذا الدرس للعالم أن أمريكا ليست مطلقة القدرة والهيمنة وأنها يمكن أن تعارض وتقاوم وشجع هذا عددا من الدول على الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب. وعلى التفكير بإقامة تجمعات دولية تقف في مواجهة نزعات الهيمنة الأمريكية.
وهكذا يمكننا القول أن أم المعارك قد حددت بوضوح طرفي المعركة.. الأمة العربة في طرف و أعداؤها في الطرف الأخر وفرزت بين خندقين..خندق آخر يقوده العراق ويتجمع فيه الأخيار المناضلين ضد الامبريالية والصهيونية من العرب وغير العرب.
ولسنا نغالي إن قلنا إن إشعاع أم المعارك قد غطى العالم كله فكل ما نراه من أشكال المقاومة والتمرد على النزاعات العدوانية الأمريكية أي نزاعات الهيمنة والاستحواذ كان نتيجة لسريان هذا الإشعاع ولا يزال هذا الإشعاع يتفاعل ويعطي نتائجه. فلولا أم المعارك وإشعاعها أي لولا صمود العراق ومقاومته الباسلة لغطى ظلام الامبريالية والصهيونية العالم
كله لحقبة طويلة من الزمن.
الجزائر في 25/05/2006