فيفري 03، 2007


الحركة الصهيونية ظهورها وتحالفها مع الاستعمار
وتخاذل الحكومات العربية في مواجهتها

خليفة فهيم الجزائري


الصهيونية حركة سياسية عنصرية عدوانية أسسها يهود أوربا بتأثير من الفكر القومي الأوربي الاستعلائي بهدف تجميع اليهود المشتتين في أنحاء العالم وإنشاء دولة خاصة بهم ذلك إن هذه الحركة تؤمن بان اليهود أينما كانوا في أصقاع العالم شعب واحد وان هذا الشعب تنقصه الأرض ولابد من الحصول على هذه الأرض وتأسيس دولة يهودية عليها.
وقد اختارت الحركة الصهيونية ارض فلسطين العربية لإنشاء هذه الدولة واستندت في ذلك إلى عدة أساطير موجودة في المعتقدات اليهودية التقليدية. وأعطتها طابع العقيدة الدينية وروجتها بين اليهود من اجل تحقيق أحلامها العنصرية وابرز هذه الأساطير / أن اليهود متفوقون على جميع الأقوام والشعوب وأنهم شعب الله المختار وان الله هو الذي وهبهم ارض فلسطين ووعدهم بها وان لهم بالتالي (حقا تاريخيا) فيها .إن الحركة الصهيونية تنسب هذه الأساطير إلى (التوراة) الكتاب اليهودي المقدس. ولكن الثابت تاريخيا أن (التوراة) التي يتداولها اليهود قد كتبت من قبل أحبارهم في عصور متأخرة وأدخلوا فيها ما شاءت لهم اجتهاداتهم وأهوائهم وظروف صراعهم مع الأقوام الأخرى . فهي ليست (التوراة) التي ورد ذكرها في القرآن الكريم بهذا الاسم وهي ليست (صحف إبراهيم وموسى) ومع ذلك تشبثت الحركة الصهيونية بهذه الأساطير وأخذتها أساسا لحركتها السياسية .
والواقع أن أهداف الحركة الصهيونية أوسع بكثير من الاستيلاء على ارض فلسطين فالطموح الصهيوني كما عبرت عنه بروتوكولات حكماء صهيون هو السيطرة على العالم كله على وفق خطط عمل طويلة الأمد . وإدارته من قبل حكومة صهيونية عالمية وهذه الخطط تعتمد مبدأ التغلغل الخفي في أوساط الحكومات والمؤسسات والعمل على تهديم المعتقدات الأخرى وإشاعة الانحلال والتفسخ في صفوف الناس . ذلك إن الشعوب الأخرى في نظر من وضعوا البروتوكولات هم مجرد (دهماء) و (غوغاء) ليسوا أهلا لأي شيء وان (الشعب اليهودي) هو (شعب الله المختار) الذي ( يتفوق) عليهم جميعا وانه الأجدر بأن يحكم ويسود.
لقد بدأت الدعوات الصهيونية بالظهور في القرن السادس عشر ولكن الصهيونية كحركة سياسية منظمة بدأت عملها المنظم نحو تحقيق أهدافها في أواخر القرن التاسع عشر . وقد انشق يهود أوربا وأمريكا يومئذ إلى تيارين تيار ينادي بالاستلاء على ارض فلسطين وتأسيس دولة يهودية فيها .وهو التيار الصهيوني . وتيار ثان يكتفي بعلاقة روحية دينية بفلسطين ويرفض مبدأ تأسيس الدولة . وعقد أتباع كل تيار من هذين التيارين مؤتمرا لتنظيم أنفسهم فعقد التيار الصهيوني الذي يتزعمه (هرتزل) مؤتمره في مدينة (بازل) السويسرية عام 1897 أما التيار الثاني فعقد مؤتمره في كندا ولكن التيار الصهيوني كان هو التيار الأنشط والأكفأ فكانت له الغلبة وبذلك عد عام 1897 عام تأسيس الحركة الصهيونية وعد مؤتمر بازل المؤتمر الصهيوني الأول.
وإذا كان اليهود قد بدؤوا التغلغل في مراكز القوة السياسية والمالية والإعلامية في أوربا قبل هذا التاريخ . فان هذا التغلغل أصبح بعد هذا التاريخ أي بعد المؤتمر الصهيوني الأول . أكثر فعالية
وتنظيما وهكذا تمكنوا من اختراق الحكومات والأحزاب السياسية الأوربية بمختلف اتجاهاتها. شيوعية كانت أم اشتراكية أم ليبرالية وتسخير هذه الحكومات والأحزاب بمختلف الطرق والوسائل لخدمة أهداف الحركة الصهيونية .
وعن طرق هدا التغلغل اقنعوا الحكومة البريطانية بتبني المشروع الصهيوني . وحذروها من مخاطر قيام دولة عربية موحدة . والواقع أن الحكومة البريطانية قد وجدت في تبنيها المشروع الصهيوني ما يحقق أهدافها الاستعمارية وبذلك التقت مصالح الطرفين ضد الأمة العربية .
ففي عام 1907 وافق مؤتمر حزب المحافظين البريطاني على توصية رفعها إلى حزب الأحرار الحاكم آنذاك تقول : إن إقامة حاجز بشري غريب على الجسر البري الذي يربط أوربا بالعالم القديم ( والمقصود هنا هو فلسطين) هو السبيل الوحيد لمنع قيام دولة عربية موحدة تهدد مصالح بريطانيا وأوربا كلها.
لقد قدمت هذه التوصية بالرغم من أن المشرق العربي ومنه فلسطين كان لازال يئن تحت وطأة السيطرة العثمانية وحين نشبت الحرب العالمية الأولى طلبت بريطانيا من العرب مساعدتها في مقابل تحريرهم من السيطرة العثمانية . وتأسيس دولة عربية موحدة ولكن بريطانيا تخلت عن هذا الوعد بعد انتهاء الحرب وعملت مع حليفتها فرنسا على تجزئة المشرق العربي واقتسامه بين الدولتين وفرض الاستعمار والانتداب عليه . وهكذا وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني وكان ذلك مقدمة لإعطاء اليهود (وعد بلفور) عام 1917 وهو الوعد الذي تعهدت بموجبه الحكومة البريطانية بإقامة (وطن قومي يهودي في فلسطين)
واستكمالا لهذا المخطط تقدمت الحركة الصهيونية إلى مؤتمر الصلح بين الأطراف المتحاربة الذي عقد في باريس عام 1919 ثم إلى المؤتمر الذي عقد في (سان ريمو) عام 1920 بمذكرات تطالب الدول التي انتصرت في الحرب بان تساعد اليهود في استيطان فلسطين
وبناء على ذلك عينت الحكومة البريطانية اليهودي النمساوي الأصل (هربت صموئيل) مندوبا ساميا لها أي حاكما عاما في فلسطين فقام هذا بفتح أبواب الهجرة لليهود من مختلف أنحاء أوربا وتمكن اليهود من خلال ما بذلوه من أموال وما قاموا به من أعمال إرهابية من السيطرة على أجزاء من أراضي فلسطين وإقامة مستعمرات يهودية عليها تمهيدا لإقامة الدولة الصهيونية التي عملوا من اجلها .
وعلى الرغم من مقاومة عرب فلسطين ومن ثوراتهم العديدة التي خاضوها كان الصهاينة يمضون قدما في تحقيق أهدافهم بمساعدة الدول الاستعمارية الغربية وخاصة بريطانيا وأمريكا وقد كانت اغلب أجزاء الوطن العربي ترزح يومئذ تحت ظل الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي . وكانت الدول العربية القليلة التي أعطيت استقلالا شكليا محكومة من قبل حكام ضعفاء خاضعين للنفوذ الاستعماري مما وفر للصهاينة الفرصة للمضي في تحقيق أهدافهم والتوسع في الهجرة وبناء المستعمرات على ارض فلسطين والاستعداد لتحقيق هدفهم المنشود وبعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة وصل الصراع بين العرب
والصهاينة حد الذروة فعينت الأمم المتحدة لجنة لتقديم مقترحات بشأن مستقبل فلسطين فأوصت اللجنة بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام قسم لدولة عربية وقسم لدولة صهيونية ومنطقة دولية في القدس فأقرت الأمم المتحدة هذه التوصية وأصدرت في 29/11/1947 قرار برقم (181) هو القرار المعروف بقرار التقسيم وكان لكل من بريطانيا وأمريكا دور حاسم في إصدار هذا القرار .
وقد رحب الصهاينة بهذا القرار لأنه اعتراف دولي رسمي بوجود صهيوني فوق ارض فلسطين وعدوه مقدمة لتحقيق هدفهم في الاستحواذ على كل فلسطين . أما العرب فرفضوه وعندما أيقنت بريطانيا وأمريكا أن الوقت قد حان لأن يعلن الصهاينة دولتهم
أعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها على فلسطين وأمرت مندوبها السامي بالمغادرة فا ستغل الصهاينة الفرصة وأعلن (بن غور يون) إقامة دولة إسرائيل على ارض فلسطين في 15 من أيار 1947 وكانت الدول الكبرى بريطانيا أمريكا والاتحاد السوفيتي وفرنسا أولى الدول التي اعترفت بهذا الكيان المصطنع وعلى الرغم من نشوب الحرب بين العرب والصهاينة فان تخاذل الحكومات العربية وخيانة بعض الحكام العرب انتهت بهذه الحرب إلى هدنة والهدنة طالت وامتدت حتى رسخ الكيان الصهيوني وجوده على ارض فلسطين وأصبح يهدد الدول العربية نفسها ويسعى إلى تحقيق بقية أهدافه التوسعية وهكذا يتضح أن الكيان الصهيوني هو أولا ثمرة التواطؤ بين الحركة الصهيونية والحكومتين البريطانية والأمريكية وهو ثانيا نتيجة لتمزق الوطن العربي وتخاذل الحكومات العربية وتهاونها في مواجهة الحركة الصهيونية وقد كشفت الأحداث منذ ذلك الحين على أن بعض الحكام العرب قاموا بأدوار خيانة في هذه المواجهة .