أمريكا والبعث والأمة وذلك الفلاح وشجرة البلوط
خليفة فهيم الجزائري
نظرا لما تمر به الأمة العربية ذات المحرك النفاث (البعث العربي) استوقفتني ذكرى بعيدة لازالت في ذاكرتي سجلتها أيام الصبي في خانة الحوادث المؤلمة لأنه كان لها وقعا قويا في نفسي ولم تزول وجدتها اليوم اقرب ما يكون وشبيهة من حيث الأسلوب العام بالسيناريوهات البالية والمؤامرات الدنيئة والمحاولات الفاشلة التي تتعرض لها الأمة العربية من طرف الأعداء ومحركها النفاث (البعث العربي) نعم فهي أمة واحدة وحيدة بمحرك نفاث اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي لا يدور بالماء ولا بالهواء بل بالطاقة الحية الناجمة عن احتراق مجهود حر ونقي وخالص أصيل من رحم الأمة ممثل في أبنائها المخلصين الحقيقيين فهي تصنع قوتها الدافعة لها.
لازلت اذكر ذلك اليوم حينما خرجت فيه مع أبى قاصدا الغابة المجاورة كان يوما من أيام العطلة المدرسية ابتعدنا في سيرنا عن البيت واقتربنا من أطراف الغابة الكثيفة بأشجار الصنوبر وعلى مسافة قصيرة بدت الأرض منبسطة مستوية ذات تربة خصبة مشينا قليلا حتى صادف نظري رجل كان يبدوعليه الكبر يكون في العقد السادس اقتربنا منه فألقى عليه أبى التحية وسلم عليه وسأله عن أحواله وأحوال عائلته وعن أخبار الفلاحة وسوق الماشية وغير ذلك وتبادلا الحديث لمدة طويلة كنت أنا انظر إلى شجرة كانت على مقربة منا لها جذع ضخم وأغصان كثة كثيرة الخضرة وكأنها خيمة كبيرة قاطعت أبى الحديث مع الرجل الفلاح وسألته متلهفا ما هذه الشجرة يا أبي؟ أجابني إنها شجرة بلوط اعرفها منذ الصغر وهي تثمر عندما تنضج ثمارها سآتي بك للجني منها غمرتني فرحة لكن ما لبثت حتى نطق ذلك الفلاح وقال بالمناسبة أريد أن اقطع هذه الشجرة واجتثها من الجذور إنها تقع في قطعة ارض خصبة وثرية وأنا أريد استغلالها وحرثها حذره أبى مباشرة لأن قطعة الأرض ليست ملك له وهي تابعة إلى مديرية الغابات وان حاول سيتعرض للعقاب من طرف هذه الأخيرة رد على أبى وقال هذا في حالة ما إذا كانت الشجرة حية أم إن كانت ميتة فلا مانع.انتهى حديثهم هنا فأكملنا نحن طريقنا إلى أن دخلنا أعماق الغابة التي وجدتها غاية في الجمال وثروة أهداها الله لنا تمتعنا بمناظرها واستنشقنا هوائها وبعد مدة عدنا أدراجنا متوجهين إلى البيت وعلى نفس الطريق الذي سلكناه وما إن خرجنا إلى أطراف الغابة كان الشوق يجلبني لمعاودة إلقاء نظرة ثانية على تلك الشجرة حتى بدت لي جاثمة مكانها اقتربنا منها فوصلناها هناك تأفف أبى وقال انظر ماذا فعل ذلك المجرم لقد غرس هذه الأوتاد في جذع الشجرة على المقطع العرضي لتموت وتيبس ويسمح له بقطعها يا لها من حيلة انه ماكر لن يسامحه الله على فعلته طلبت من أبي نزع الأوتاد فقال من الصعب لقد غرسها بأحكام وفي اتجاه الأعماق تأثرت كثيرا لاحظ أبى ذلك وقال لا تحزن ستقاوم وقد لا تموت أوتيبس وان ماتت فقد لا يتم ذلك إلا بعد سنين. وأنا اكبر كنت دائما اطلب من أصدقائي زيارتها للعب بجوارها وبمرور الزمن بدأ لونها يميل إلى الاصفرار ونثرت أوراقها وقلت كثافة أغصانها عندها أدركت أنها آلت إلى الموت وهي المعمرة دائمة الخضرة كانت زيارتنا لها لا تتم إلا في أيام العطل وذات يوم من أيام هذه الأخيرة حيث أصبحت زيارة الشجرة مجدولة في اجندة أوقات الفراغ ومن انشغلاتنا في العطل قررنا زيارتها انطلقنا نحوها والكل يتحدث ويتساءل عن كيف سنجدها حالما. فمنهم من حلم بجني الثمار لكن وجدنا الدمار لقد قام ذلك الفلاح عفوا السفاح بقطعها الحادثة كانت قوية الوقع في قلوبنا والمنظر كان جد مشين حيث كان السفاح موجودا وهومسلح بجميع الوسائل القذرة من فاس ومنشار وغيرهم نعم لقد قام بقطعها من الجذع على ارتفاع خمسين سنتيم منه بالمنشار محاولا الحفر عليها من الجذور التي كانت مغروسة في أعماق الأرض ومتفرعة وكثيرة كان يحاول اجتثاثها ويترك مكانها ترابا لقد فهمنا المقصود وعدنا إلى بيوتنا والحزن يخيم على الجميع اخبرنا أوليائنا بالحادثة لكن الخبر كان اصرع منا وعلموا بذلك لم انم تلك الليلة وفي اليوم الموالي طلبت من الأصدقاء العودة إلى المكان لنرى كيف صار بعد أن المفروض يكون الجذع الضخم قد اجتث المفاجأة كانت عند الوصول حيث وجدنا أن الجذع لازال في مكانه بعد ما نال منه الفأس اليائس وبعد كل محاولات ذلك السفاح تفتيته أجزاء أجزاء وبالتالي يتمكن منه بسهولة وقد سجلنا غياب السفاح في ذلك اليوم فهوغير موجود بالمكان ولا وسائله القذرة بقينا طويلا الكل يذكر الأخر عن الأيام التي قضيناها في اللعب بتسلقها والاحتماء بها أثناء المطر والحر ثم عدنا إلى بيوتنا أين وجدنا خبر اكثر من عاجل مفاده أن السفاح يكون قد جن لكن الحقيقة قد وقع له خلل دماغي ناجم عن المجهود العضلي الذي قام به في قطع ومحاولة تفتيت جذع الشجرة والوصول إلى جذورها لقد أصيب بالرعاش فأصبنا نحن بالدهشة والفرحة رغم صغرنا سنا فلا تعرف قلوبنا غل ولا حقد إلا أننا استحسنا الحدث وفسرناه عندها على أن السفاح ضربه جن كان يحرص الشجرة واجمع الجميع على ذلك حيث افترقنا على أن نزور الجذع يوما من أيام العطل القادمة وما هي إلا أسابيع حتى سمعنا أن السفاح بدأ يتعافى لكن الرعاش لم يفارقه وسمعنا أيضا انه عاد إلى جذع الشجرة ولم يجد من وسيلة ليجتثه أويواصل تفتيته فقد اهتدى إلى حيلة أخرى وقام بصب البنزين عليه أشعل فيه النار لم يكن أمامنا من وسيلة لمعرفة ما جرى غير زيارة جذع الشجرة فتأكدنا أن الجذع فعلا تعرض إلى الحرق ولم تنل منه النار وكان للأمطار الفصلية دورا كبيرا وحالت دون تفحمه بعدها زاد القر وبدأت الثلوج في التساقط واكتست الأرض حلة بيضاء سميكة غطت حتى جذع الشجرة ودامت اكثر من أسابيع وفي تلك الأيام سمعنا أيضا أن السفاح يحتضر وما لبثت تلك الثلوج أن تزول وتظهر الأرض حتى فارق السفاح الحياة ونبشت له حفرة اقل عمقا من عمق جذع الشجرة تاركا ورائه حلم لم يكتمل فقلت يا ليته ذهب دون أن يقطع شجرة البلوط أويا ليت الجن ضربه قبل أن يفعل فعلته وحذرنا أنفسنا من فعل الشر وافترقنا وعاد كلن إلى بيته وبمجرد دخولي إلى البيت قالت لي أمي ما رأيك إن أباك قرر الرحيل إلى المدينة ولأقتنع بذلك أردفت هناك ترتاح من عناء التنقل إلى المدرسة وتنال من العلم إن اجتهدت رحبت بالفكرة وتم الرحيل بسرعة وكأنه كان مخططا له من مدة في الكواليس دخلنا المدينة ودخلت المدرسة لكن فراق الأصدقاء لم يدخل فكري وبدأت أتخيل لوأننا نعيش في بيت واحد وكنت احلم أقول في نفسي لوأستطيع يوما سأبني مدينة صغيرة اجمع فيها كل أصدقائي وأهلي لنعيش في وحدة بعيدا عن الفرقة والشتات والتجزئة حلمت وتمنيت وأنا اكبر وفكري يكبر ويتسع ويصنع المستقبل الراقي بمقاسات ونظرتي تزيدا بعدا وزاد اكتشافي اكثر واكثر وفرقت بين الحقيقة والواقع والقدر. وذات يوم آخر ولشوق شديد وحنين مديد عبر الزمن قررت زيارة المكان ومسقط رأسي القريب من شجرة البلوط وبعد طول غياب وطأت قدمي الأرض الخصبة حيث كنت قد ضبطت ذاكرتي واستنفرت شبكة عيني وقزحيتها وبدأت البحث بعيني عن أي شيء يحرك ذاكرتي ويجمعني بالماضي فوجدت أصدقاء الصبي لم تتغير الوجوه بسماتها لقد التقيت كل الذين كانت تصلني أخبارهم الطيبة فسلمت عليهم وتفقد تهم وتبادلنا الحديث وسردنا الأحداث وخطواتنا تسير صدفة نحوأطراف الغابة حتى نطق أحد الأصدقاء سائلا هل تتذكر يا صديقي شجرة البلوط؟ رديت بحزن عميق نعم تلك التي قطعها ذلك الفلاح فرد محدثي قائلا لا يا صديقي بل هي التي قطعته واجتثته الشجرة لم تمت ومات هوالشجرة باقية فقد عادت إلى الحياة وخلفت وهي الآن تكبر وتتقوى اكثر واكثر وتزيد كانت عيني مشدودة نحوالمكان أين كانت تتلقى الإحداثيات وتستصوب نحوالمكان ولم ترى إلا أشجار كثيفة صاح أخر قائلا انظر هي تلك وهناك أشجار أخر صغيرة بجانبها إنها إرادة الله وحكمته هوالذي يريدها وهذا مكانها وما تلك الحادثة إلا حكمة الاهية كانت بمثابة القطف لتنموالشجرة من جديد وتزيد قوة وصلابة وتحدي فهمت الأمر ونطق آخر له دراية بأسرار الأشجار وقال إنها شجرة بلوط من نوع ( كاجواريان) شجرة يضرب بها المثل وتعتبر رمزا للصلابة وتحدي الزمن لدى الكوبيون وقال لي اعلم يا صديقي أيضا إن شجرة البلوط هي مارد الغابة لا يحركها مطر ولا ينال منها الرعد والبرق تأسفت كثيرا وقلت مسكين قالوا من قلت ذلك الفلاح لقد كان مغرورا مثله مثل من يحاول اليوم إحداث الفتنة والفرقة بين أبناء الأمة العربية وتعطيل مشروعها الحضاري ويحاول جاهدا تفتيتها واجتثاث محركها النفاث ( البعث العربي) كما يسعى وفي أخر المحاولات اليائسة إحداث شرخ في صفوف البعث جاهلا حقيقة الأمة جهل ذلك الفلاح حقيقة شجرة البلوط ومصيره سيكون مصير ذلك الفلاح لا محالة..فما أراده الله لا يغيره العبد ولله في خلقه شؤون.
الجزائر في 01.02.2007